عام 1961، أتى بوب ديلان ليقيم في قرية غرينتش في نيويورك التي كانت نقطة استقطاب لحركات التمرّد الفنّية والثقافيّة بكلّ أشكاله وموطئ قدم لشعراء "النبضة" (Beat) وعلى رأسهم ألن غينسبرغ وويليام بوروز وجاك كيرواك، وقام بتغيير أدب الأغنية الأميركيّة من خلال سرد القصص وخلق الألغاز. عام 1962 كان اللحظة الحاسمة حين كتب "A Hard Rain’s A-Gonna Fall" وكان في الواحد والعشرين من العمر. فُهمت الأغنية لفترة طويلة على أنّها استحضار للحظة مُتخيَّلة لسقوط غبار ذرّي بعد انفجار كارثيّ جرّاء حرب كونيّة، لكنّها تبدو اليوم نذيرًا لعالم يتغيّر بفعل تغيّر المناخ، وتلتقط على نحو لمّاح نشاز التواصل البشريّ، وتشير إلى الأهوال والكوارث التي شهدها القرن كإحساس بنهاية العالم وفي ذلك انعكاس لجذور ديلان اليهوديّة المستمدّة جزئيّاً من العهدين القديم والجديد.

يُقال أنّه عندما استمع غينسبرغ لأوّل مرّة إلى أغنية "مطر ثقيل" لديلان، اندفع بالبكاء مردّدًا أنّ الوقت حان لتسليم الراية إلى جيل جديد.

هنا، وبتصرّف، ترجمة لهذه الأغنية:

يا ابني الحبيب، يا ذا العينين الزرقاوين،

أين كنت؟
تعثّرتُ فوق سفوح اثني عشر جبلًا غارقًا في الضباب
وزحفتُ وسط سبع غابات موحشة
ووقفتُ أمام دزّينة من المحيطات الميّتة
وكنتُ على بُعد عشرة آلاف من الأميال في جوف مقبرة

إنّه مطر ثقيل يوشك أن يتساقط...

وماذا رأيت؟
رأيتُ ولدًا تحيط به الذئاب من كلّ الجهات
رأيتُ طريقًا من الماس خالياً من الناس
رأيتُ غصنًا أسود لا ينفكّ يقطر دمًا
رأيتُ غرفة مكتظّة برجال لا تكفّ مطارقهم عن النزف
رأيتُ سُلّماً أبيض مطموراً حتى رأسه بالماء
رأيتُ عشرة آلاف يتحدّثون بألسنة معطّلة
رأيتُ بنادق وسيوفًا حادّة في أيدي أطفال

إنّه مطر ثقيل يوشك أن يتساقط...

وماذا سمعت؟
سمعتُ صوت الرعد يهدر متوعّدًا
سمعتُ هدير الموج يقول: أنا قادر على إغراق العالم
سمعتُ مائة ضارب طبل بأيديهم المضطرمة
سمعتُ ألف متهامس ولا أحد يسمع
سمعتُ جائعًا وحوله الكثير يضحكون
سمعتُ أغنية شاعر مات في مجاري الصرف الصحّي
سمعتُ مهرّجًا ينتحب في الزقاق

وبمَن التقيتُ؟
بطفل بجانب فرس قزم ميّتة
برجل أبيض يتمشّى مع كلب أسود
بفتاة جدائلها تحترق
ببنت صغيرة أعطتني قوس قزح
برجل مجروح من الحبّ
برجل مجروح من الكراهية

إنّه مطر ثقيل يوشك أن يتساقط...


وماذا ستفعل الآن؟
سأعود قبل أن يبدأ المطر بالتساقط
سأمشي إلى أعماق الغابة المعتمة
حيث الناس كثر وأيديهم فارغة
حيث تطفو حبيبات السُمّ على مياههم
حيث يتساوى بيت الوادي بالسجن القذر الرطب
حيث وجه الجلّاد مخفيّ دائمًا
حيث الجوع بشع
حيث الأرواح منسيّة
حيث السواد هو الكون
حيث اللاشيء هو الرقم
وسأحكيها
وسأفكّر فيها
وسأتأمّلها من الجبل حتى تبصرها جميع الأرواح
ثمّ سأقف على المحيط حتى أبدأ بالغرق
لكنّي سأعرف أغنيتي جيّداً قبل أن أبدأ بالغناء

إنّه مطر ثقيل يوشك أن يتساقط...  

كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button