أنا هكذا ولدت، لا أقف إلا حيث ممنوع الوقوف.

وآكل نفسي كي لا أظهرها، أتلذذ بي إني شهيّ طيّب حيّ،

إن الله حيّ.

أنا هكذا ولدت، أتبوّل في العصر في زقاق ضيّق تحت نافذة أحد مالكي البنك القريب كي 

تتنزه رائحة بولي في كل المكان.

أنا هكذا ولدت، أتجوّل وأصافح الناس بيدي ثم أمسحها جيداً، فأنا نرجسي وأقرف، أقرف من كل ما هو حولي وفوقي وعن شمالي وتحتي وعن يميني.

ولا أقرف من بولي في الزقاق الضيّق.

أغني بصوتي البشع أغانيَ جميلة، فالأغنية الجميلة تجمّل الصوت.

أنا هكذا ولدت، لا أحب رؤية الحائط عن شمالي في الغرفة الملعونة ولا أستطيع النوم على ظهري فالدود في مصاريني يشعرني بالغثيان. فأجمع ديداني وأقلب بها الى يميني فتتكدس على بعضها البعض ولا تزعجني. 

على يميني لا حائط ولا دود، ولا لص سيدخل معي الملكوت. 

انا هكذا ولدت، أتغلب على إنفلونزا الخنازير بأكل لحم الخنازير وعلى الإنفلونزا بالنيسكافيه، وأضحك على الطبيب. 

أنا هكذا ولدت، أكره ٱبتسامة بائع الكعك وأناقة موظف البنك، والبصقة البلغمية المنطلقة من فم سائق التاكسي اللعين، 

وبعد البصقة يقول :الله يعين.

فأرد بقرف شاذ، كأني شاهدت طفلاً مصاباً بالطاعون يلعب بأمعاء جرذ التقطه من مجرور قريب، ذيله مقطوش. 

آمين يا معلم آمين.

أنا هكذا ولدت، ولو أني كنت المسيح لكنت فعلت ما هو أذكى من فعل المسيح في عشائه السرّي وخدعت التلاميذ... 

وٱستبدلت بالمتّة النبيذ.

رغم أن لون الدم أحمر في كل الأحوال لكنني لا أكترث للونه، لأن أيام المسيح كانت أبيض وأسود فمن سيدري.

أنا هكذا ولدت، أكره المصادر رفيعة المستوى، تلك التي من رفاعتها تدخل خرم الابرة مرتين وثلاث دون أن تزنق فيه،

مصادر رفيعة جدا بحيث تُظهر عظمها للعلن فتُلعن لعناً عظيماً عندما تعلن عن إعلان ما. 

أفضّل المصادر عريضة المستوى تلك الواضحة والتي لا تدخِل أنفها بما لا يعنيها.

أنا هكذا ولدت أحيانا قديس، لكن على العموم أنا خبيث لا تروق لي اللطافة والإسراف في التهذيب وأقول للعاقل أنه كذلك وللغبي أنه غبي.

أنا هكذا ولدت، لي في السياسة رأي ولي أصدقاء سيذبحون على العيد خرفانا لهم في السياسة رأي ايضاً.

أنا هكذا ولدت، إذا صودف مرور حيوان بقربي قد تم الإعلان أنه منقرض عالميا، أقتله كي أعيد ٱنقراضه وكي لا أكذّب الاخبار العالمية. 

أنا هكذا ولدت، أعيد تكرار الخطيئة كي لا يكون موت الأنبياء قد ذهب دون جدوى.

أعيش في مرآب ضخم للسيارات شمال البلاد وأكاد أكون الوحيد الذي لا يملك سيارة.

ولو أني ولدت تحت عربة لبيع السمك النيئ في أحد الشوارع الشعبية المكتظة بين الدم وبقايا السمك لكنت وجدت مبرراً لرائحة العالم المقرفة في أنفي. لكني ولدت في المنزل وقد وضعت أمي الكولونيا على جسدي بعد الولادة فصارت رائحتي حلوة، يا للعجب.


كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button