نعتذر عن الإزعاج، sorry، نعمل من أجل راحتكم، فنحن في "رحلة" وضعنا على عاتقنا مسؤولية مدّ أسلاك سُفلو-تجريبية تضيء زوّايا مُعتمة، فُسح غير مرئية، قامت على أنقاضها ناطحة سُحاب تُدعى "أشياء ومنشقون عن قوى الأمر الواقع". كهرباء الخيال يَشق مساحة الواقع، والرأس، وما يسمّيه الأطباء "فدغاً" أي جرحاً عميقاً، أسمّيه بؤرة بركانية خصبة، تُشرقط منها شرارات حامية تذوّب ركائز العمارة لتسقط ديكتاتورية الثبات على حساب حرية الممارسة - خُذ حريتك وسمّها ديمقراطية إن أردت - التي لا تولد إلا من الحطام.

أنتَ تقرأ هذه الأسطر وتقول هذا كاتبٌ مجنون، وأنني على الأرجح أهذر، أو على الأقل أعاني من هلوساتٍ حادّة نتيجة حواراتي الوهمية مع أصدقاء لي، ماتوا منذ زمنٍ. لا بأس، لا تقلق، ولا تحزن إن صارحتك أنك لن تتمكن من قراءة حواري مع "جغل بيزنطي" هذا العدد. ضيفي لم يكن جاهزاً وتركتُ له حريّة القرار، ثم بالطبع لن أكشف إسمه، تشوّق بدل أن تتَحَزّر ولنتركها "سوربرايز". على كل حال، وقع تركيزي - المتشتت غالباً - الليلة الفائتة عمل "بيل براون" ونظرية "شيئية الأشياء". شرح نظريته يطول، ولست هنا بصدد الدخول في عمقها بالعرض. إنها تعني، ببساطة، أن شرارة الإنتباه الأولى تولّد عندما يتعطل الشيء الذي تستخدمه، بالأحرى، لا تقدّر قيمة الشيء القائم بذاته إلا عندما تتزعزع العلاقة معه (مثلاً أنتَ لا تعي مدى أهمية هاتفك "السمارت فون" الذي تقرأ من خلاله "رحلة "إلا عنّدما يتعطلّ) وخطر لي الفكرة التالية: قدران متلاصقان- بعبارة الصديق "طالب شحادة" موجودان في كل منزل. كتاب "لعنة وطن" والثلاجة. هذا الوطن الملعون مات، ولا ينقصه سوى الجنازة، إذ مثلما يقول فرويد "لا يكتمل الموت دون التعزيّة بالميّت. فلنقم بواجباتنا إذاً: عوّض بسلامتكم، حفظ الله رأسكم وعَقبال العمر الطويل. أما الثلاجة، فوجودها وعدمها، أمران متساويان، المصوّرون الفوتوغرافيون الأجانب يمارسون السياحة في مطابخ لبنان - المعروفة بكرمها - لالتقاط صوَر غياب الطعام، إذ إنها فرصة نادرة لنيل جائزة البوليتزر ورفع الكأس عالياً. إذاً، ضمن مَعمَعَة الفقدان هذه، حيث الأشياء مسلوبة عن ذاتها- مُغتربة- نحن محكومون بالتجريد، مهما حاول أحدهم تلطيف الأجواء بعبارة بائخة رنّانة تقول: عطل وضرر. لك أن تلوّن هذا التجريد في طلاء الأظافر أو الباستيل. لكَ أن تُعيد رسمه، أن تجعل الأنف فم والفم كمّامة - أنتَ حرّ- لكن لا يمكنك أن تبرره، فتزاوّج المنطق مع اللامعقول هو الجنون بعينه.

لاحظ ماذا يقول صديقي المحلل النفساني، إسمه "فيكتور فرانكل"، يقول بالألمانية: “Was Du erlebst, kann keine Macht der Welt Dir rauben” وسأطوّع ترجمتي خدمةً للسياق، "لا شيء يستطيع أن يسلبك التجارب التي عشتها في حياتك". وبناءً عليه، يأتي عددنا هذا …"العيادة النفسية"، العدد 15 من رحلة - تتمنون لنا أيضاً العمر الطويل، فشكراً - بعد كل ما مرّ علينا من تجارب من 17 تشرين مروراً بالديستوبيا والكورونا ووَهم النوستالجيا وانفجار بيروت كتعويض عن الأهم، أي العيادة النفسية. والكلينيك هنا تعني ضرورة الإفصاح، في الكتابة - وبالمناسبة، كتابتنا تجريبية، ونُصر على التوصيف وعلى تبنّي ما يُعرف بالمقال القصة -  بغيّة التحرر. فهذا ما نجيد فعله، أن نمارس ما نفكر به - وأن نطبَعه ورقياً عندما يحالفنا الحظ - وأن نحوّل نتيجة التراجيديا إلى فِعل.

رحلة عيادة تجريبيّة سُفليّة حرّة، الجلسات جماعيّة، والكل مدعوون.


ملاحظة: شكراً لكل من ساهم في دعم رحلة على موقع "باتريون". لقد تلقينا العديد من الرسائل من أحبائنا عن كيفية الدعم خارج نطاق العملية المصرفية - المصارف حرّامية نعود ونكرر- يمكنكم أن تتواصلوا معنا بالمباشر، أو عبر الإيمايل، ونحن ممتنون لهذا الحب.


كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button