ظهرت لنا الملائكة في الحلم وقالت: إنّ اليقظةَ استمرارٌ. إن توقفتم عن الحلم توقّفت.
ظنّنا الظهور كابوسًا. توافقنا على أنه كابوسٌ. تعاملنا معه ككابوسٍ. توقفّنا عنده كثيرًا. توقفنا وتوقفت معنا اليقظة.
خطئنا أننا استبدلنا الحلم. قايضناه بالواقع. غرقنا في الواقع. ذلك الواقع الذي أصبح له برنامجٌ على الشاشة.
تصطفّ مجموعة من الحالمين (قل الموهومين بالواقع) في مصنع النجوم. تعرض الشاشة ليلتهم وهم نيامٌ في مهجعٍ يشبه دور الأيتام. لا ننام نحن. نحرس وهمهم. يستيقظون صباحًا فتستقبلهم بائعة الأصوات. تدرّبهم على الطَرَش. يصطفّون لتنتزع منهم حاسة السمع. وكلما فقد أحدهم أذنه مارس الغناء. نحرس طرشهم أيضًا. نبايعهم أولياء الواقع في الشاشة. ثم يتوسّع مصنع النجوم مع التوزيع والتصدير وإعادة برمجة النظر.
تقف مجموعة ثانية من الموهومين بالواقع في مشغل النجوم. تمتنع الشاشة عن عرض مشهد فقء عيونهم. تطلب منا أن نستمرّ في المتابعة ريثما يتمّ تحضير اللوحة التالية على وقع رقصاتٍ تُشتّت الانتباه عن التفاصيل في الخلفية. نتابع. يخرج أول فاقدٌ لبصره ليشرح نظرية اللون... نفاجئ به. نضجّ به. نشاهده قبل الحذف. يحذفه نشيد وداع طاغية بصوتٍ جديدٍ من المصنع. نضجّ به. فيحذفه مشهد قطٍ يداعب كوب صوفٍ أخضر. فيحذفه كلبٌ يعرف الأرقام. ففيلٌ يحبّ الضرب. فرئيسٌ لا يسقط... لا بالتقادم ولا بأية إيماءة أو كلام. ففأرٌ يدرّب الجبنة على كتم رائحتها من أجل التنحيف. فأفعى تحبّ الحياة بألوان المدينة. فأكبر حاملة طائرات تستطيع العوم في بركة ماء. ينقطع البرنامج عن عرض المزيد حين ينفجر أول طابق من مبنى سكنيّ.
أشلاء. مزيد من الأشلاء. تبتعد الكاميرا. ليس هذا الواقع الذي أرادته في الصورة. ليس هناك مفردًا لكلمة أشلاء. تأتي جماعةً وهذا يناقض بطبيعته مفهوم البرنامج. ينقطع البثّ. يعاد نشر فيلمٍ قديمٍ تؤكّد فيه الإمبراطورية أنّها ملكة الأزمان. يُنشر كوثيقة نادرة. يُقال لنا أنّه فيلمٌ نادرٌ لم يسمح بمشاهدته لكيلا نكتشف المؤامرة التي حيكت علينا... نضجّ به. نهرع لمشاهدته. نرى قصّتنا فيه. الإمبراطورية أنتجت فيلمًا عن نفسها، هزّت بذيلها، هزّت لنا العصا. تقول هذا أنتم، مجموعة مؤشّراتٍ تُدرس.
نهرع لندرسها. منا من يصير منظّرًا جديدًا فيها ومنا من يطمح فقط. يكفي أن تطمح، تقول الإمبراطوريّة. فالسعي للعمى الجديد يتطلّب تضحية. تخاف أن تُفقأ عيناك وأن تُقطع أذنك. تكتفي بتشجيع المنظّر. تصفّق له ما دامت يداك معك. إلى أن تُقطع.
تعود الملائكة للظهور في الحلم... إنّ اليقظة استمرارٌ... إنّ اليقظة استمرارٌ.
في الفجر التالي، لا نستيقظ على خبرٍ جديدٍ. نرى الخبر ونعرف أنه تحصيلٌ حاصلٌ. لا ينتمي للبرنامج. يشبه لحظة انقطاع البث تلك التي نعرفها جيدًا. يتحسّس الواحد منّا عينيه وأذنيه ويديه... يعرف الواحد منّا أنّه من الأشلاء ولكنّ اليقظة استمرارٌ... لن نوقفها هذه المرة. إنّ الكابوس وهم استبدال الحلم بذاك الواقع، لن نتوقّف عنده هذه المرة... إنّ المصنع مفلسٌ يعيش على رغباتنا التي كبتها وأطلقها، لن نبيعه وقتنا هذه المرة.
نشدّ على قلوبنا، نقبض على أرواحنا، فنصبح. لا نعود نحتاج أن نغمض أعيننا لنحلم. هذا كابوسنا المؤجّل، نعرف أنّه طريقنا الوحيد للحلم. ريثما تعود الملائكة... لن تعود. نحن عائدون.
الصورة: الملاك الجريح - هيوغو سيمبرغ (1903)
____________________
* كُتب هذا النص في آب 2024