بعد أن قضى صباحه جالسًا على كرسي المرحاض غارقًا في تطبيق انستغرام، قرّر كافكا أن الكيل قد طفح، وعليه، وضع هاتفه جانبًا، شدّ السيفون، ووقف جاثمًا على أرضية الحمّام ليدرك أن ساقيه تخدّرتا من فائض الجلوس. وبعد أن تجنّب حادثة السّقوط في الحمام وضربِ رأسه بزاوية حادة، مشى كافكا إلى شرفته المشمسة وجلسَ على كرسيه الخشبي القديم وشرع في تصفّح إنستغرام مرّة أخرى. ثم أجبرَ نفسه على التوقف مجدداً، وتوجّه إلى المطبخ ليعدّ فنجانًا من القهوة، ثم عاد إلى الشرفة وجلس، وفجأة أدرك كافكا أنه جالسٌ مع أفكاره الخاصة. عقّب كافكا محدثاً نفسَهُ: "هذا أفضل من إنستغرام". لقد تذكّر كيف تكون صياغة الآراء حول الحياة والمجتمع، وكان يملك الوقت والقدرة الذهنية لذلك، فبدأ يتصفّح الأفكار في ذهنه كما اعتاد أن يفعل مع منشورات انستغرام:

"يطلق الناس على أنفسهم أوصافًا كثيرة على إنستغرام: إنفلونصر، فنّان، ناشط، مصوّرة، عارضة أزياء، مؤمنة، معانق أشجار، نباتي، تلميذ يسوع. هناك رغبة هائلة في الانتماء والتميز في نفس الوقت، وأعتقِد أن ذلك يحمل في طيّاته شيئًا من التناقض. أجِدُ أن "بافيل"، الموظف في المكتب، متصنّع ومدّع للغاية، وهو جاهز دائمًا لإبداء رأيه حتى لو كان يجهل الموضوع. كما يدّعي أنه "Life coach" و "Motivational speaker". والمصيبة هي أن أحد عملائه انتحر قبل شهر بعد الاستماع إلى خطابات بافيل التحفيزية لمدة شهر تقريبًا في جلسات خاصة. أعرف شيئًا واحدًا عن بافيل: لا شيء يعنيه سوى كسب المال. "ما تستطيع أن تحلم به، يمكنك أيضاً أن تحقّقه". هذه واحدة من سلسلة الأقوال التحفيزية التي لا تعد ولا تحصى والتي يقصف بها بافيل جبهتي كل صباح أثناء تصفحي إنستغرام في المرحاض. الشيء الوحيد الذي يتغيّر بعد حضور جلسات بافيل هو حجم محفظتك أو حسابك المصرفي. وأنا لا أقصد أنك ستكسب المزيد من المال. الناس عديمة القيمة... أشعر أن الكثير من الناس لا يدركون ذلك، أو ربما يرفضون ببساطة تقبّل الفكرة. تطوّر البشر بطريقة جعلتهم مدفوعين بشكل كبير بفكرة تحقيق الأهداف؛ إنها طريقة للتأقلم ولإلهائهم عن مأساة وجودهم عديم القيمة. سيشنّ الناس الحروب وسيؤدون أدوارًا متطرّفة لإنكار حقيقتهم. صراحة، أجد الأمر ممتعًا نوعًا ما. وقد يكون ذلك أيضًا هو السبب نفسه الذي يجعل الناس على إنستغرام يطلقون على أنفسهم شَتّى الصفات. إذًا، إذا فكّرتُ مجدداً في الأمر، يمكنني أن أطلق على نفسي صفة: "بائس بشكل مقزّز وغير قابل للترميم."

كن جزءًا من مشروع "رحلة"
وادعَم صُدور النّسخة الورقيّة الشهريّة

لمزيد من التفاصيل أنقر هنا
Patreon support button